الخميس، 24 يناير 2019

أخلاق التجار المسلمين أدخلت " إندونيسيا" الإسلام بدون حرب ـــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي.العراق. 14.1.2019

أخلاق التجار المسلمين أدخلت " إندونيسيا" الإسلام بدون حرب
ـــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي.العراق. 14.1.2019 
مِن المعلوم أنَّ الإسلامَ انتشر في مشارق الأرض ومغاربها، بعدةِ طُرُق، مِن أهمها: الفتوحاتُ والتِّجارةُ والدُّعاة؛ بَيْدَ أنَّ مِن أهمها ما قام به التجارُ في نشْر الدعوة، وقد عُرفت الدعوة الإسلامية بصحةِ المبادئِ المبنيَّةِ على أسسٍ راسخة، مدعَّمةٍ بفضائلَ خلقيةٍ عالية، ومُثُلٍ اجتماعيةٍ سمحة. وكان لِيُسرِ الوسائلِ الدعوية وسلامتها، الأثرُ الواضحُ في اجتذابِ الأفئدة إلى دِين الله الحقِّ؛ حيثُ اتَّسمت هذه الوسائلُ باللِّين والتسامحِ؛ اهتداءً بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. فدعوة الإسلام لا تفرِّق بين الأجناس البشرية، أو الألوان أو الأنواع أو الطبقات، فالجميع سواسيةٌ أمامَ الدعوةِ في سبيل الله؛ ولذا يقول أتر بوري: "بمجرَّد أنْ يدخل الزِّنجيُّ في الإسلامِ يَشعر بكرامة نفسه، بعدَ أن كان يعتقد ذاتَه عبْدًا، ويُصبح في نظر نفسه حُرًّا"، ويؤكِّد ذلك سبنسر ترمنجهام بقوله: "في حينِ نجد الكهنوت الغربيَّ -برسومه وتقاليدِه- معقَّدًا غايةَ التعقيدِ؛ ممَّا ينفِّر النفسَ البشرية، فإن الإسلامَ يأخذ المجتمعاتِ الإنسانيةَ بالرفق والأَنَاةِ؛ حتَّى لا تكونَ النقلة مفاجئة. جاء على لسان أندري راسين صاحب كتاب (غينيا الفرنسية) قولُه: "إن نموَّ الإسلامِ بين السود يَرجع لبساطة قواعده". يقول عزَّ وجلَّ: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122]، من هنا، نجد أنَّ مِن سِمَات التجار المسلمين الالتزامَ بتطبيق المنهجِ القويمِ في سلوكهم، وفي حياتهم، فكان الصدقُ والأمانة، والإخلاص وعملُ الخيرِ مِن أهمِّ الوسائل التي وَصلوا بها إلى أعماق قلوب الناس. بل لقد كان التجارُ دُعاةً لدينهم بالفطرة، وكان هؤلاء التجارُ المشعلَ الذي أضاء طريقَ الدعوةِ للإسلام، فانتشر مِن صدورهم في أرجاء الكون؛ حيث كانوا نماذِجَ مُثْلَى يُحتذى بها في جميع الأعمال الفاضلة. وكان مِن أهم السِّمات التي تحلَّى بها التجارُ المسلمون، التواضعُ؛ حيث نجد أنَّ المعاملةَ المبنيةَ على التودُّدِ والتواضعِ والإحسان، ركيزةُ الدعوة الإسلامية، يقول باذل دافدسن: "لعل مِن محامد العربِ المسلمين في موضوع الرِّقِّ، أنَّ العلائق بينهم وبين رقيقهم كانت إنسانيةً لحدٍّ بعيد". وهناك من الصفات التي امتاز بها هؤلاء التجارُ حينذاكَ الكثيرُ، كالصدق والصبر، والخلُق الرفيع، والسلوك النَّزيه والأمانة، وقد كان لهذه الصفاتِ الأثرُ الحيويُّ في كسب الاحترام والثقة. ومن هنا، انطلقتْ دعوةُ الإسلام في آفاق الدنيا، وانتشرت انتشارًا منقطِعَ النظير، شهد بذلك العدوُّ قبل الصديق، والبعيدُ قبل القريب، والغائب قبل الشاهد. لقد كان الرَّعيلُ الأولُ من التجار أهلَ علْمٍ ودرايةٍ بالمؤثِّرات النفسية على تلك الشعوبِ، فكانوا يَقضون فتراتٍ طويلةً متجوِّلين بين القبائل، خاصةً في المواسم التي لا تستطيع دوابُّ التنقُّلِ السفرَ ما بين الساحل والظهير؛ مما أتاح الفرصةَ أمامهم للاستقرار بين ظهرانَيِ الأهالي والشعوب. يقول الاستاذ أحمد محمد العقيلي في كتابه -والذي بعنوان (دور التجار في نشر الدعوة الإسلامية)- قولُه: وعن طريق الاستقرار بين الشعوب المدعوَّة، تمكَّنَ التجارُ من معرفة الكثير من العادات والتقاليد واللغات، التي كانت العاملَ الأساسَ في تمكُّن هؤلاء التجار من سَبْرِ غَوْرِ هذه الشعوب؛ وبذا استطاعوا النفاذَ إلى قلوب هذه الأممِ بنشْر العقيدة الصحيحة. ومن هذا المنطلق، استطاع التجار -لكثرة احتكاكهم واختلاطهم بالأمم- أن يقوموا بالدور الرائد في نشْر دين الله؛ حيث ترعرعت الدعوة الإسلامية في ظلال التجار الذين غرسوها بأيدٍ أمينةٍ، وقلوبٍ مخلصة، يقول عميدُ الدراسات التنصيرية ساللر: "إنَّ من أسباب انتشار الإسلام أنَّ الاتصال الإسلامي كان أكثر، وأن التجار المسلمين كانوا يُبدون للشعوب أنهم ليسوا بعيدين منهم، والعامل الأكثر أهمية أن رسالة الإسلام إيجابية، وسهلةُ الفهم". ويؤكد ذلك بقوله: فالمسلم لا يرسم خطًّا لونيًّا بين الأبيض والأسود، فهو يأكل ويتزوج من ذوي البشرة السوداء، ومن ثم فلا عجبَ إذا نظر الزنوجُ إلى الإسلام على أنه دين المساواة. لقد كان التجار المسلمون يدركون حقيقة أنَّ مِن واجب المسلمين أن يكونوا جنودًا لدينهم في كل زمان ومكان، فكان أولئك التجارُ يقضون معظم أوقاتهم في الأمور التجارية؛ سعيًا وراء كسب رزقهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى في الدعوة إلى العقيدة الإسلامية، ولم يكن بينهم من يرى تضاربًا بين أعماله التجارية وانصرافه للدعوة، حيثما ساروا وأينما حَلُّوا. بل كان أولئك التجار يقدِّمون كلَّ ما يَحتاج إليه العلماءُ والفقهاء من أمورٍ مادية؛ كفتْح المدارس، وإيقاف العَقارات عليها، وبِناء المساجد ومساكن الطلبة، كما كانوا يُرسلون الطلاب النجباء في بعوث إلى الجامعات الإسلامية في المغرب ومصر. وفي كل مكانٍ وصل إليه التجار، أقاموا الكتاتيبَ والمساجد والمدارس والمساكن، وقدَّموا المساعداتِ، ووقَفوا العقارات. لقد كانت العلاقةُ وطيدةً وثيقةً بين التجارة والدعوة، وقد كان التواصلُ بين التجار والدعوة إلى عقيدة الإسلام قويًّا متينًا، وبهذا امتاز المسلمون وشهد لهم بذلك الأعداءُ، وكما قيل: فَالحَقُّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاءُ.
كان التجار المسلمين لهم دور بارز في نشر الإسلام فقد عمل التجار المسلمون على نشر الدعوة الإسلامية بين أهل البلاد التي رحلوا إليها بالحكمة والموعظة الحسنة وبالسلوك الطيب والتعامل الحسن والتودد إلى أهل البلاد وقد دخل كثير من الناس في الإسلام عن طريق التجار المسلمين، فعرفت تركستان الشرقية في الصين الإسلام عن طريق التجار المسلمين فانتشر الإسلام بين الصينيين وقد وصل التجار المسلمون إلى بلدان جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا والفلبين وغيرها وكان التجار المسلمون وراء وصول الإسلام إلى جزر المالديف التي تقع في الجنوب الغربي من سريلانكا، ودخل الإسلام فيتنام أيضاً عن طريق التجار المسلمين. وكان للتجار المسلمين دور بارز في نقل الإسلام من الشمال الإفريقي إلى وسط وشرق وجنوب إفريقيا.ووصل الإسلام إلى ألبانيا وغيرها من مناطق البلقان عن طريق التجار المسلمين قبل الفتح العثماني.
شتان بين الامس واليوم بالامس كان التجار والرحالة قدوة ومثال يحتذى بهم لدخول الاسلام ومن الدول الكبرى التي دخلت الاسلام عن طريق التجار اندونيسيا كبرى البُلدان الإسلامية، تلك التي أطلق عليها المسعودي اسم «جزر المهراج»، أما باقي الكُتَّاب فكانوا يسمُّونها بأسماء جزرها: سومطرة، جاوة، وهكذا. وقيل: إن اسمها يتكون من مقطعين؛ وهما: «إندو» ومعناها: الهند، و»نيسيا» ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تُشير إليه كتابات الكُتَّاب والجغرافيين دائمًا بتسميتها بجزر الهند الشرقية، كما أنها تُسمَّى أحيانًا باسم الأرض الخضراء، ومنذ القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي أصبحت تُعْرَف باسم إندونيسيا. وتُعَدُّ إندونيسيا جزءًا من أرخبيل الملايو في جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التي تضمُّ أكبر مجموعة جزر في العالم؛ إذ يبلغ عددها حوالي 17508 جزر، المسكون منها حوالي 600 جزيرة.
تجار عمان وحضرموت
ـــــــــــــــــــــــــــ وأما عن دخول الإسلام إندونيسيا فمن العسير تحديد تاريخ بَدْءِ دخول الإسلام إندونيسيا، وفي ذلك تقول المراجع: إن تجار المسلمين أنشأوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربي لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهلَ سُنَّةٍ على المَذْهَب الشَّافِعِيِّ، أمَّا الهنود فقد دخلوا الجُزُر بالمَذْهَب الحَنَفِيّ، وبعد ذلك وَصَل إلى هذه الجزر تُجَّار مسلمون من الهنود ومن شبه جزيرة الكَجَرَات.
وقد كان لانتشار الإسلام أثره العميق في قيام ممالك إندونيسية متعددة في تلك الجزر، مثل مملكة «بنتام» التي أسَّسها الملك حسن الدين في جاوة الغربية، ومملكة «متارام» التي أقامها رجل عسكري يُدعى «سنافاني» في شرق جاوة؛ وبذلك أصبحت جزيرة جاوة مركز إشعاع للدِّينِ الإسلامي، وانتقل منها إلى غيرها من الجزر، وكانت هناك أيضًا مملكة «آتشيه» في شمال سومطرة، ومملكة «ديماك» في وَسَط جاوة، والتي أقامها رمضان فاطمي عام 832هـ، وكذلك مملكة «بالمبانغ» في جنوب سومطرة، وهكذا نرى أن الإسلام في مسيرته في جزر إندونيسيا قد قفز من مجموعة من الجُزُر إلى أخرى بسلام وبدون أي حرب.
الإحتلال البرتغالي لإندونيسيا
ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقيقة أن جزر إندونيسيا تتمتَّع بموقع ممتاز وأهمية خاصَّة، وبموارد أَوَّلِيَّة ضخمة، وهو ما أطمع فيها الاستعمار بكل أصنافه؛ لحقدهم الصليبي الذي حمل المظهر الاقتصادي بحاجتهم إلى التوابل المرتفعة الثمن في أوروبا. وقد كانت البرتغال أُولَى الدول التي احتلَّت إندونيسيا، وقد نَشِبَتْ معاركُ شديدة بين الإندونيسيِّين من ناحية والبرتغاليِّين من ناحية أخرى، واتَّخذت تلك الحرب شكل الحروب الصليبية، وذلك نظرًا لقرب عهد البرتغاليين بمحاربة المسلمين والقضاء عليهم في الأندلس، ولقد كان من أهمِّ الدوافع التي حثَّت البرتغاليين على القيام بالحركة الكَشْفِيَّة -على رأيهم- هو ضَرْبُ اقتصاديَّات المسلمين، والسيطرة على تجارتهم، ومحاولةُ نَشْرِ النصرانية بالتعاون مع الأحباش، ولحقدهم على الإسلام استخدموا كافَّة وسائل الإرهاب والقمع الوحشي ضدَّ المسلمين، وقد توالت حملات البرتغاليِّين على هذه البلاد، ونجحوا في اتخاذ أتباعٍ ومؤيِّدين لسياستهم الاستعمارية في تلك البلاد، وكثُر وجود تجار أوروبا في إندونيسيا منذ ذلك الوقت.
وقد قاوم المسلمون في إندونيسيا الاحتلال البرتغالي، وقاموا بثورات متعدِّدة ضدَّ النصرانية، وخاصَّة بعد أن قُتِل أحد ملوك إندونيسيا غدرًا عام (978هـ= 1570م)، وهو هارون سلطان «ترنات»، والذي كانت سلطته تمتدُّ حتى الفلبين.
إندونيسيا بين الفقر والتنصير
ــــــــــــــــــــــــــــــــ أما واقع إندونيسيا اليوم فإنها تعاني مشكلات متعددة، تتمثَّل في ضعف الإنتاج مقارنة بالإمكانات الطبيعية والمساحات الهائلة والأعداد الكبيرة من السكان، وكذلك ارتفاع نسبة الأمية والبطالة، حتى إن إندونيسيا، نتيجة البطالة العالية وازدياد الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، صارت في العقود الأخيرة من أكبر المصدِّرين للعمالة البشرية الرخيصة إلى الدول الأخرى، حتى في أبسط الأعمال والمهن. وقد أغرى هذا الوضع الحركات التنصيرية في العالم، فنشطت منذ منتصف القرن العشرين للعمل الحثيث من أجل تنصير إندونيسيا، حيث تمتلك الحركات التنصيرية إمكانيات تفوق ميزانيات كثير من الدول، وقنوات تلفزيونية، وعشرات الصحف والمجلات، وقد بدأت هذه الجهود تؤتي أكلها؛ حيث انخفضت نسبة المسلمين من 97% إلى 85%، فوقع كثير من المناطق في قبضة التنصيريين، مثل نوسا تنجار الشرقية، التي أصبحت نسبة المسلمين فيها 9.12 %، وهي تتكون من 111 جزيرة أكبرها تيمور، وأغلب السكان فيها صاروا نصارى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رواية شيخ الجبال أبو ملحم للكاتب والروائي السوري أحمد علي بيطار

 رواية شيخ الجبال أبو ملحم للكاتب والروائي السوري أحمد علي بيطار